ارتفاعات عالمية فى الأسعار.. والتزام حكومى بالدعم.. والسوق السوداء تخنق الإنتاج
المصانع تعترض على التوريد الإلزامى وتفضل التصدير لارتفاع سعر الطن إلى نحو ٩٠٠ دولار
المزارعون : نتسلم الكميات المستحقة على مراحل لاتكفى احتياجات زراعاتنا
تركت أزمة الطاقة العالمية تداعيات سلبية على جميع الأنشطة الاقتصادية فى جميع بلدان العالم، خاصة الأنشطة الصناعية التى تعتمد اعتمادا كليا على الغاز كمكون رئيسى للسلعة المنتجة، مثل السماد والأسمنت والحديد وصناعات البتروكيماويات..
كانت صناعة الأسمدة من أبرز الصناعات التى طالتها تلك التداعيات فأرتفعت اسعاره عالميا إلى ٨٥٥ دولارا للطن مقابل ٣٥٥ دولارا قبل 10 اشهر فقط بسبب القفزات المتلاحقة فى أسعار الوقود عالميا ورغم ذلك حرصت الحكومة على الإبقاء على اسعاره مدعما للفلاح عند ١٤٠ جنيها لشيكارة النترات و١٣٠ جنيها لشيكارة اليوريا من خلال نسبة الـ ٥٥% التى تلزم الحكومة شركات القطاع الخاص والأعمال العام، بأن يوردونها
من حصص إنتاجهم الكلية إلى وزارة الزراعة لتوزيعها على الفلاحين؛ حفاظا على أسعار المنتجات الزراعية معتدلة وكذلك أسعار الصناعات الغذائية.
ورغم محاولات الحكومة للإبقاء على هذا الدعم فإن أسعار الأسمدة ارتفعت ٣ أضعاف السعر، المدعم فى السوق المحلية، حيث يشكو الفلاح من ارتفاع تكلفة انتاج المحاصيل بنسبة تصل إلى نحو ٥٠% ،على سبيل المثال محصول البطاطس الذى ارتفعت تكلفة الفدان الواحد من ٥٠ ألف جنيه إلى ٧٥ ألفا. «تحقيقات الأهرام» ترصد سوق الأسمدة وأسعارها وعلاقتها بارتفاع تكلفة المحاصيل الزراعية، وأيضا ارتفاع اسعار مدخلات الإنتاج عالميا، وعلاقة ذلك بارتفاع اسعار النولون البحرى.
بداية يوضح د.عباس الشناوى، نائب وزير الزراعة ورئيس قطاع الخدمات الزراعية والمتابعة أن أسعار الأسمدة ارتفعت عالميا؛ بسبب ارتفاع اسعار الطاقة (البترول والغاز)، لكن فى مصر تحرص الحكومة على دعم أسعار السماد لمصلحة الفلاحين، ومستهلكى المحاصيل الزراعية فى مصر، حيث تلزم الحكومة الشركات المنتجة وعددها ١٠ شركات سواء كانت عامة او استثمارية، بأن تورد إلى وزارة الزراعة ٥٥ % من حصص إنتاجها مقابل منحها الغاز بسعر مدعم ولهذه المصانع الحرية فى ان تتصرف فى بيع الكميات المتبقية من حصص الانتاج. إما أن تصدرها الى الخارج أو تطرحها فى السوق الداخلية بأسعار حرة.
يشير إلى أن حاجة النبات إلى السماد تختلف من نوع لآخر، فالقمح يحتاج إلى السماد لتكوين الآزوت، لذا يحتاج الفدان الواحد إلى ٣ شكائر من اليوريا ٤٦، أما الفول فلايحتاج لأن جذوره تقوم بتكوين المادة الآزوتية من تلقاء نفسها على عكس قصب. السكر الذى يحتاج إلى ٨ شكائر من سماد اليوريا وكذلك الأرز، والذرة علاوة على ذلك فإن الأراضى الزراعية أصبحت فقيرة بالنسبة للمادة الآزوتية لتكرار زراعتها مرتين أو ثلاث مرات خلال العام الواحد.
ويوضح أن أسعار السماد المدعم الذى يتسلمه الفلاح لايزيد على ١٦٠ جنيها للشيكارة، بينما اسعارها فى السوق تصل إلى ٥٠٠ جنيه للشيكارة وأن هناك ٤ جهات يعهد اليها بتوزيع هذه الشكائر هى الجمعيات العامة للإئتمان، وجمعيات استصلاح الاراضى، والشركات الزراعية والجمعيات التعاونية الزراعية، مشيرا إلى أن الاسمدة تمثل عنصرا حيويا للمادة الآزوتية، للكثير من المحاصيل مثل الذرة والأرز وقصب السكر والخضراوات والفاكهة والمحاصيل البستانية.
يوضح ان الوزارة دورها وسيط بين الفلاح والمصانع وتنفذ تكليفات مجلس الوزراء الذى يطالب المصانع بتوريد ٥٥% من حصص إنتاجها الى الوزارة التى تقوم بتوزيع هذا السماد على ٤ مراحل خلال العام على الفلاح حسب حجم الحيازات الزراعية بحوزته.
ويشير إلى أن نسبة الـ ٥٥% لا تأخذ إلى الوزارة مرة واحدة، لكنها تأتى بشكل يومى فى صورة كميات منتجة معبإة فى شكائر، وتوزع على الفلاحين بموجب كارت الفلاح الذكى، ومن تعثر فى استخراجه يلجأ الى الجمعية، ويتأكد من وجود اسمه فى دفترها، ويقوم بتحرير استمارة الصرف بموجب الرقم القومى، أما إذا توفى صاحب الحيازة، فعلى الورثة أن يرشحوا أحدهم للقيام بالصرف سواء بالكارت او بالاستمارة، حيث يقوم المزارع يتسلم ٥٠% من الكمية، لحين توريد باقى الكميات من المصانع ثم تستكمل الكميات الاخرى.
يضيف محمد الزيات، مدير عام الجمعية العامة للائتمان الزراعى للقاهرة الكبرى، أن الكارت الذى يسهل تسلم الفلاح الحصص المستحقة له من السماد حيث ترسل كشوف المستحقين للسماد الى كل محافظة والكميات المحددة للصرف ويتم توزيعها على كل فلاح بالسعر المدعم ويصل إلى ١٦٤ جنيها لشيكارة اليوريا و ١٦٠ جنيها للنترات، بينما تصل أسعار هذه الأنواع خارج الدعم إلى ٥٢٠ جنيها للشيكارة.
ويوضح أن سبب الأزمة يرجع إلى أن المصانع لا تلتزم بتوريد الكميات المطلوب توريدها إلى وزارة الزراعة فى مواعيدها المحددة أو مرة واحدة، إنما يكون التوريد على مراحل مما يؤخر الكميات التى يحتاجها الفلاح، فيضطر إلى تلبية متطلباته من السوق الحرة بأسعار مرتفعة.
أما هشام نور، رئيس إحدى شركات قطاع الاعمال، العام فيقول إن شركته ضمن ٧ شركات تورد ٥٥% من صافى الإنتاج إلى وزارة الزراعة مقابل ٣ آلاف جنيه لطن اليوريا، وأن أسعاره لم تمس حتى الآن، و٣ آلاف و١٠٠ جنيه لطن النتراتن على ان تتصرف الشركة فى بيع باقى حصصها الانتاجية سواء فى السوق المحلية بالأسعار الحرة وفقا لآليات العرض والطلب أو للتصدير إلى الخارج مقابل ما يصل إلى ٨٥٥ دولارا للطن حيث يتمتع السماد المصرى بأنواعه بجودة عالية مع إقبال كبير على شرائه واستخدامه.
يضيف أن الشركات التى تورد الـ ٥٥% من إنتاجها مقابل الحصول على أسعار الغاز المدعمة من الحكومة، تبيع الكميات الأخرى لديها فى السوق الداخلية أو للتصدير بهدف الإنفاق على تطوير خطوط الإنتاج ويشير إلى أن الجمعيات دائما ما تطلب كميات أكبر من احتياجاتها، وأن ارتفاع أسعار البترول والطاقة عالميا ألقت بظلال سيئة على أسعار الغاز، وأن تكلفة الطن تصل إلى ١٩٠٠ جنيه وفق أسعار الغاز القديمة .
أحمد هجرس، رئيس إحدى الشركات الاستثمارية يقول إن السوق شهد إقبالا كبيرا على السماد بأنواعه لارتفاع حصة الصادرات التى بلغت ١٫٢ مليار دولار العام الماضى، بعدما اصبحت المصانع تلبى كل الاحتياجات المحلية من الأنواع المختلفة من سماد اليوريا والبوتاسيوم؛ لأن كل المصانع العاملة فى السوق المحلية ملزمة بتوريد الحصة المتفق على توريدها إلى وزارة الزراعة ومن يمتنع من الشركات الاستثمارية عن توريد هذه الحصة عليه سداد ١٥٠ دولارا رسم صادر عن كل طن يصدره إلى الخارج.
ويوضح أن الأسعار العالمية تشهد ارتفاعات متتالية وصاعدة للسماد حيث زادت من ٣٥٠ إلى ٩٠٠ دولار للطن الواحد حاليا، بل إن الأسعار مرشحة للصعود جراء الارتفاعات المتتالية فى أسعار البترول والغاز فى العالم، أما فى مصر فيتم تسعير الغاز للمصانع، وفق مبادلة سعرية بين الهيئة العامة للبترول، وإحدى الشركات، إضافة إلى الاستهلاك العالى من الأسمدة عالميا ومحليا، مما جعل الحكومة ترفع أسعار الغاز ٢٨% على الشركات .
ويشير إلى أن استمرار توريد السماد بالأسعار المدعمة لوزارة الزراعة فى ظل الزيادات المتلاحقة فى سعر الغاز يؤثر على أرباحها ويعرقل خطط تطويرها وتوسعاتها الانتاجية.
يضيف احمد الخشن، رئيس إحدى الشركات الاستثمارية أن أسعار السماد ارتفعت عالميا لاسباب عديدة، على رأسها ارتفاع اسعار الغاز الذى يورد للمصانع إلى ٥٫٧٥ دولار لكل مليون وحدة حرارية، وكذلك ارتفاع اسعار النولون البحرى لأكثر من ١٣ مرة منذ بدء آزمة كورونا حتى الآن، علاوة على ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج للأسمدة؛ لان معظم مدخلاته مستوردة باستثناء الغاز الذى تنتجه مصر، مشيرا الى أن حجم التصدير يصل إلى١٣ مليون طن سنويا، وأن هذه السلعة عليها إقبال كبير فى الأسواق الخارجية المفتوحة أمام مصر، ويجب على الحكومة أن تشجع الشركات الاستثمارية والعامة للتصدير لجلب العملات الاجنبية.
ويعترض على فكرة إلزام الشركات المنتجة بالتوريد الإجبارى لوزارة الزراعة، ويقترح قيام الحكومة بتخصيص المصانع التابعة لها، لإنتاج السماد لمصلحة الفلاح على ان تتولى دعمها بالكامل، ويشير إلى أن الـ ٥٥% النسبة المحددة لاتكفى السوق المحلية، ويرجع ذلك إلى أن حجم الاستهلاك مرتفع بل ويتزايد فى ضوء التوسعات الزراعية الأخيرة بالمناطق الجديدة، بل إن الأزمة تتصاعد بمحافظات الصعيد والمناطق النائية نتيجة أن الكميات الموردة ضئيلة.
يلقى محمد الخشن، رئيس غرفة صناعة الأسمدة، بمسئولية نشأة السوق السوداء لبيع الاسمدة على عاتق الحكومة ويبرر ذلك بسياسة التسعير والتوريد الإجبارى للمصانع للحصة السابق ذكرها التى تصل إلى الـ٥٥% من انتاجية المصانع إلى وزارة الزراعة لتوزيعها على الفلاحين فى حين تحصل المصانع على الغاز بسعر ٥٫٧٥ دولار لكل مليون وحدة حرارية، وتساءل: كيف تعوض المصانع خسائرها من وراء هذا التوريد الإجبارى لأكبر حصة من إنتاجها بسعر يعتبره خسارة كبيرة لها فى ظل هذا التصاعد المتواصل للغاز والخامات المكونة للإنتاج التى تضاعفت ٣٠٠% وفى هذا الصدد يتمسك بضرورة إعادة النظر فى هذه السياسة التوزيعية.
أما تأثير هذه الأزمة على الفلاحين، فكان واضحا من شكاوى هؤلاء حيث ارتفعت تكلفة الفدان من المحاصيل، كما يقول عنتر محمود محمد، امين عام نقابة الفلاحين فى بنى سويف، بأن الشيكارة زنة ١٠٠ كيلو من سماد اليوريا ٤٦ وصل سعرها إلى ١٠٥٠ جنيها والسماد النترات الى ٩٠٠ جنيه، بينما توريد الشيكارة المدعمة من السماد ثمنه ١٦٤ جنيها وأن الفلاح لايحصل على الكميات المطلوبة للزراعة مرة واحدة، لكنها تكون على مراحل، فيضطر إلى شراء احتياجاته من السوق الحرة الذى يشهد التهابا متصاعدا فى الأسعار بسبب التنافسية بين الشركات على التصدير.
يضيف ان تجار الاسمدة يقومون بتجميع السماد من المصانع فى مخازنهم لبيعها فى السوق الحرة بأسعار مرتفعة فى ظل غياب الرقابة على الاسواق مما يصعب على الفلاح الحصول عليه إلا بأسعار جنونية تضيف أعباء اضافية كبيرة على تكلفة الزراعة وصلت الى ٢٠% من التكلفة النهائية.
يضيف أن كارت الفلاح الذى يتم توزيعه على المزارعين لصرف السماد المدعم لايزال يمثل مشكلة أمام الفلاح، لأنه غير مدرب على استخدامه، علاوة على أن البيانات التى اعتمد عليها الكارت منذ عام ٢٠١٧وخلال هذه الفترة بين تجميع البيانات وإصدار الكارت، توفرت اعداد من الفلاحين ولايزال الورثة يعانون من مشاكل الصرف فيضطر هؤلاء الى التوجه للسوق السوداء لشراء الكميات التى يحتاجونها.
يؤكد أحمد الشربينى، رئيس جمعية منتجى البطاطس، أن تكلفة الفدان الواحد زادت من ٥٠ ألف جنيه إلى ٧٥ ألفا؛ بسبب ارتفاع اسعار السماد والمبيدات والبذور وهذا يضع الفلاح فى موقف حرج يجعله يمتنع عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية التى يحتاجها المستهلك مثل الطماطم والبطاطس والبصل، مما يؤثر على حجم الطلب فى الاسواق لهذه المحاصيل فيرتفع اسعارها.
يضيف أن الجمعيات تعانى عدم توريد المصانع للكميات المطلوبة من السماد فيحدث نقص متواصل يجبر الفلاح على تعويضه من السوق السوداء.